أثر الحرب والنكسات على الأدب والأديب
دراسة تحليلية في ضوء التجربة العربية
وفاء شاهر داري (باحثة وكاتبة
فلسطينية)
تعيش الأمة العربية سلسلةً من النكسات التي تركت
بصمتها على جميع المجالات، ولا سيما في عالم الأدب. فمنذ احتلال فلسطين عام 1948
توالت النكسات التي تركت آثارها الواضحة على البنية الاجتماعية والنفسية للأمة،
مما انعكس على الإنتاج الأدبي وأصبح واضحًا فيما يُعرف بـ "أدب النكسة"
الذي ظهر في فلسطين ومن ثم امتد إلى باقي الدول العربية خاصة بعد أحداث 1967
(العربي، 2010). لتظهر فيما بعد ظواهر أدبية مثل "أدب النكسة" الذي تحوّل
إلى فرع من أدب الحرب والمقاومة، وتخللت نصوصه معانٍ عميقة تتناول معاناة الفرد
والمجتمع.
وفي هذا السياق، يواجه الأديب العربي - وخاصة
الفلسطيني - نكسات شخصية نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي لا تضمن
له حياة كريمة ومستقرة، ما يؤدي إلى انفجارات أدبية تتخذ طابعا نضاليًّا أو حتى
يميل إلى الرومانسية الانتحارية (الهاشمي، 2015). جاء هذا المنجز ليعبّر عن تأثير
النكسات الخاصة (كالتهميش والاضطهاد السياسي والتحديات الاقتصادية والاجتماعية)،
والعامة (كالهزائم السياسية والاستعمار والحروب) على الأدب والأديب العربي، وخاصة
الفلسطيني. حيث شهدت الأمة العربية منذ احتلال فلسطين عام 1948 وما تبعه من نكسات
متتالية تحوّلات عميقة في بنيتها الثقافية والاجتماعية، بإضافة إلى النكسات
الشخصية التي يعاني منها الأديب نتيجة لعدم استقرار الحياة المهنية. وهو ما انعكس بوضوح في الأدب.
وقد برزت اتجاهات أدبية متعددة مثل: أدب الحرب، أدب المقاومة، أدب السجون، أدب المرأة الفلسطينية، أدب المقاومة. حيث يعيش الأديب واقعًا مليئًا بالتحديات على المستويين الشخصي والوطني.. يهدف هذا المنجز إلى تحليل كيفية تحويل الأدباء العرب للنكسات إلى نصوص أدبية، ومدى فعاليتها في تشكيل وعي المجتمع أو تحقيق التحولات الجمالية، مع الإشارة إلى أن "أدب النكسة" لم يتبلور كمدرسة مستقلة رغم غزارة إنتاجه، بسبب طابعه الانفعالي والظروف الهيكلية التي تعيق
تطور الأدب العربي، والتطرّق كذلك إلى العلاقة
المعقدة بين النكسات الخاصة والعامة والتجربة الأدبية في العالم العربي. من خلال
منهجية تحليلية نوعية تعتمد على دراسة نصوص مختارة وتحليل سياقاتها التاريخية
والسياسية والنفسية، يسعى المنجز إلى تسليط الضوء على الخصائص المميزة لهذه
التيارات الأدبية، كما يقدّم توصيات لتعزيز تأثير الأدب في المجتمع.
تساؤل..
هنا أجد نفسي
في خضم عدة تساؤلات أحاول البحث عن إجابتها. كيف أثّرت النكسات العامة (الوطنية
والسياسية) والنكسات الخاصة (الشخصية والاجتماعية) في تشكيل وتوجيه الإنتاج
الأدبي؟ وما مدى قدرة هذه النصوص على التعبير عن معاناة الأديب والمجتمع في آنٍ
واحد؟
لنستوعب أثر النكسات الخاصة والعامة على الأدب
والأديب سنتطرق ولو باقتضاب لأهم محاور المنجز، وذلك من خلال تحليل مفاهيم أربعة
أنواع من الأدب: أدب الحرب، أدب المقاومة، أدب السجون، أدب المرأة الفلسطينية.
أدب
الحرب: أدب الحرب انعكاسًا مباشرًا لصراعات الأمة، حيث يوثّق
التجارب القتالية وتأثيراتها على الفرد والمجتمع. وقد برزت العديد من الروايات
والقصائد التي تعكس صورة المقاومة المسلحة، مثل ما تضمنته الرواية الفلسطينية عن
النضال ضد الاحتلال، وذلك من خلال تحليل النصوص التي تصور ويلات الحرب وتأثيرها
على الإنسان والمجتمع، مع التركيز على الأعمال التي تناولت حرب غزة الأخيرة.
الوطنية وتوثيق الانتهاكات التي تعرضت لها الشعوب.
وذلك من خلال كتابه الذي عنونه بأدب المقاومة.
ومن جانب آخر يتم تحليل النصوص التي تعبّر عن روح
المقاومة والصمود في وجه الاحتلال، مع التركيز على الأعمال التي تجسد التضحيات
والمعاناة.
محور أدب السجون:
أكد الباحثون على أن أدب السجون يُعبّر عن تجربة القمع السياسي والاضطهاد النفسي (وليد
أبو بكر في كتابه "أدب السجون في فلسطين). ويشكل نافذة لفهم التحديات التي يواجها الأديب
المقاوم.
أدب السجون يُعتبر أحد أكثر الأشكال الأدبية تعبيرًا
عن القمع السياسي، حيث ينقل معاناة المعتقلين وتجاربهم في الزنازين، وما يرافقها
من صراعات نفسية وفكرية. وتُعدّ تجربة السجن بمثابة امتحان قاسٍ للأديب، حيث يتجلّى
الأدب كوسيلة للصمود النفسي والسياسي. ومن أقرب التجارب الأدبية التي أثبتت بصمة
أدب السجون، يعد أدب السجون واحداً من أكثر الأنواع الأدبية تأثيراً، حيث يعكس
تجارب الأسر والمعاناة والحرمان من الحرية. يُكتب هذا الأدب عادةً من قِبَل سجناء
سابقين أو أشخاص عايشوا تجربة الاعتقال، مما يجعله نابضاً بالواقعية والشحنة
العاطفية العميقة.
وهنا أجد جوابا ببرهان واقعي، بل من خلال إنجاز على
المستوى الدولي والعالمي على (مدى قدرة النصوص على التعبير عن معاناة الأديب
والمجتمع في آنٍ واحد؟). ففي أفريل 2024،
فازت رواية "قناع بلون السماء" للروائي الفلسطيني الأسير (باسم خندقجي)
بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها السابعة عشر. يُعتبر هذا
الإنجاز سابقة في تاريخ الجائزة، حيث تمنح لأول مرة لكاتب يقضي حكمًا بالسجن
المؤبد في السجون "الإسرائيلية".
إن التجربة الواقعية والشخصية تجعل السرد أكثر واقعية
وعاطفية كذلك حيث يتم التركيز من خلالها على قضايا الحرية والعدالة والكرامة
الإنسانية في ظروف قاسية، يعطي هذا النوع من الأدب عمقًا خاصًّا. وهنا علينا
الإشارة أيضا، لتحليل النصوص التي تصوّر تجربة الاعتقال والتعذيب في السجون "الإسرائيلية"،
مع التركيز على الأعمال التي تعبّر عن الصمود والأمل.
هنا نستنتج..
تأثير النكسات على الأديب: يتحوّل الأديب في هذه السّياقات إلى صوت مُعبّر عن آلام المجتمع، حيث تتداخل معاناته الشخصية مع القضايا الوطنية الكبرى.
وحول التفكير في بعض الحلول..
في الختام
يبقى الأدب
شاهدًا على النّكسات التي تعرض لها الأديب والمجتمع، حيث يتحوّل النص الأدبي إلى
سلاح في مواجهة الاحتلال والقهر السياسي. وقد أسهم أدب الحرب والمقاومة والسجون
وأدب المرأة الفلسطينية في توثيق هذه المعاناة، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من
الهوية الثقافية والنضالية.
تم الاستعانة بالمراجع التالية:
الجيوسي، سلمى الخضراء. (1994). المرأة
الفلسطينية في الأدب. المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
درويش، م . (1982). أثر النكسة في الشعر
العربي الحديث. بيروت: دار العودة.
سعيد، إدوارد. (٢٠٩٧).المثقف والسلطة ترجمة محمد عناني، دار رؤية.
سعيد،
إدوارد. (١٩٨١). الاستشراق. ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب.
سعيد،
إدوارد. (٢٠٠٤).الثقافة والإمبريالية. ترجمة فخري لازرق، مركز دراسات الوحدة
العربية.
غالي، شكري . (2017). أدب المقاومة. مؤسسة
هنداوي.
غالي ، شكري (.٢٠٢). أدب المقاومة. مؤسسة هنداوي.
طوقان، ف. (1967). قصائد المقاومة. بيروت: دار
النهار.
كنفاني، غسان. (1966). أدب المقاومة في
فلسطين. دار الطليعة.
مستغانمي، أ. (2002). الذاكرة الجسد. دار الآداب
العويسي، م. (2015). أدب الحرب السوري: من الثورة
إلى المأساة. مجلة الآداب العربية، 12(3)، 45-67.
أبو
بكر، وليد. (2005). أدب السجون في فلسطين. دار الشروق.
بطاقة تعريفية
الأكاديمية وفاء شاهر
داري كاتبة وباحثة وناقدة في اللغة العربية وآدابها
-
مقدسية من فلسطين حاصلة على مرتبة الشرف في الدراسات العليا
-
عضو مجموعة من الأندية الثقافية والعربية والدولية.
-
شاركت اصداراتها في أكثر من ثمان معارض دولية.
-
أصدرت عدة مقالات أدبية ونقدية، ودراسات بحثية، ومنها ما نشر في مجلات
محكمة دوليًا.
-
يشار فوزها في المراكز الأولى لعدة مقالات نقدية من خلال مسابقات نقدية على
المستوى الوطن العربي والدولي.
-
فازت بتكريم ضمن أفضل 100 شخصية عربية لعام 2024.
-
شاركت في عدة محافل، ومعارض، ومؤتمرات عربية، ودولية.
- أصدرت ست مؤلفات أدبية وبحثية
المؤلفات:
. صورة البطل في قصص أطفال فلسطين
. العنقاء تروي قصصًا وعبرًا
. جبر الخواطر
. العقد الثمين من الذكر والوعظ المبين
. اطلالات
. ويبقى الأثر